يوسُف عليه الصلاة والسلام
نبي من أنبياء الله عز وجل، وهو سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام. معجزته تفسير الأحلام
كان لسيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام اثنا عشر ولدًا ذكرًا. وكان سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام فتىً جميل الصورة، أثيرًا عند أبيه، يخصُّه بقسم عظيم من محبته. وكان ذلك سببًا في غيرة إخوته عليه، وسبباً في محنته التي كانت خيرًا وبركة عليه، وعلى مصر، وعلى الأمم القريبة منها. وكان لسيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام أخاً يدعى بنيامين، وهما الأخوان الوحيدان من نفس الأم، راحيل
رأى سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام يومًا في منامه، وكان صغيراً أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر ساجدين له. فمضى إلى أبيه يعقوب عليه الصلاة والسلام يخبره بذلك، فطلب منه والده يعقوب عليه الصلاة والسلام ألّا يقصَّ ذلك على إخوته لئلا يكيدوا له. أما إخوته الذين غاظهم إيثار أبيهم لسيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام وعطفه عليه، فكانوا يُضمرون له الشر، ويتحينون الفرصة لإيقاع الأذى به؛ لكـي يخلو لهم وجه أبيهم {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} يوسف: 4-5
وفي أحد الأيام طلب الأبناء من أبيهم إرسال سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام معهم يرتع ويلعب، وتعهدوا بالمحافظة عليه وحمايته من السوء. فوافق سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام بعد تردد. وهناك ألقوا به في بئر عميقة قليلة الماء، بعد أن جرَّدوه من قميصه ولطَّخوا القميص بدم كذب. ثم جاءوا أباهم عليه الصلاة والسلام عشاء ًيبكون، مدعين أن ذئبًا قد افترس سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام حين كان يحرس لهم متاعهم، بينما كانوا يستبقون. لكن سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام أدرك مكيدتهم ففوض أمره إلى الله عز وجل
وجاءت سيارة (قافلة من المسافرين ليلاً) فأرسلوا واردهم، فأدلى دلوه في الجب (البئر)، فتعلق به سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام، فصاح الرجل: يا بشراي هذا غلام. فخرج سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام سالمًا، فأخذوه معهم إلى مصر، واشتراه العزيز حاكم مصر، فصار أثيرًا عنده؛ إذ جعله صاحب أمره ونهيه، والمتصرف في كل شيء في بيته. وقد أعطى الله سبحانه وتعالى سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام الهداية والتربية والتوفيق، وعلَّمه من لدنه علمًا عظيمًا
وما كاد سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام يخلد إلى حياة هادئة في منزل العزيز حاكم مصر حتى جاءته محنة أخرى؛ ذلك أن امرأة العزيز نظرت إلى سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام، فشغفها جمال صورته وجميل خَلْقِهِ. إلى أن جاء يوم دعته فيه إلى نفسها، وهي على ماهي عليه من الجمال والمال والمنصب والشباب، فأبى وامتنع عنها إيمانًا منه بالله سبحانه وتعالى الذي يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، من جهة، واعترافاً بنعمة سيده عليه وحفظًا لأمانته، من جهة أخرى. فأرادت به كيدًا، وأبلغت زوجها أن سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام راودها عن نفسها. لكن تبيَّن لزوجها صدق سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام وكذبها بعد أن شهد شاهد من أهلها عليها، فوجه إليها اللَّوْم، وذلك بأن يروا قميص سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام؛ إن كان ممزقاً من الأمام فإن سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام المخطئ، وإن كان قمصيه ممزق من الخلف فإنها هي المخطئة. فكانت النتيجة أن القميص قد تمزّق من الخلف. وأمر العزيز زوجته بالاستغفار لذنبها، كما أمر سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام بكتمان الخبر
شاع في أرجاء المدينة نبأ حادثة امرأة العزيز وفتاها سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام. فجاءت امرأة العزيز بإحضار النساء التي كانت تعرفهن إلى قصرها، وأحضرت سكاكين لطعامهن أثناء ضيافتهن، فلما أمسكن بالسكاكين طلبت امرأة العزيز من سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام أن يخرج عليهن، فعندما خرج فوجئن النساء بجماله فقطّعن أيديهن بالسكاكين دون أن يشعرن
قال سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام أن السجن أحب إليه من كيدهن. فاستجاب الله عز وجل لدعائه. ورأى العزيز أنه لا يمحو العار، ويكف ألسنة الناس عنهم، إلّا وضع سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام في السجن على غير جريمة أتاها، فاستقبل فيه محنة جديدة تلقاها بقلب الصابرين وعزم المؤمنين الموقنين
ودخل السجن مع سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام فتيان كانا يعملان عند ملك مصر الريان بن الوليد: أحدهما كبير الخبازين عند الملك، والثاني رئيس سُقَاته، فلما رأيا سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام أعجبهما صمْته وهدْيه، وقوله وفعله، وكثرة عبادته لربه عز وجل. وفي يوم رأى كل واحد منهما رؤيا قد أهمَّتهما، فأسرعا إلى سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام يستفتيانه في أمرهما. فقال لهما سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام أن أحدهما سيخرج من السجن وسيسقي ربّه أي سيّده خمراً، والآخر -الذي رأى أنه يحمل على رأسه خبزاً- فإنه سيخرج وسيُصلب ويُترك، فتأكل الطير من رأسه. ولم يحدّد سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام الشخص الذي قد فسّر رؤياه له، وذلك كي لا يحزن الفتى الذي سيُصلب، والله سبحانه وتعالى أعلم. وقَضي الأمر الذي فيه كانا يستفتيان، سواء صدّقاه أم كذّباه. وقد تحقق تأويل سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام لرؤياهما فيما بعد، إذ إن تأويل الرؤيا جزءٌ مما هداه ربه عز وجل إليه وعلَّمه إياه. وخرجا الفتيان من السجن، وقال سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام للساقي الذي أيقن بأنه نجا بأن لا ينسى أن يذهب لملك مصر ويقول له بأن سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام دخل السجن وهو مظلوم. ولكن الشيطان أنسى الساقي، فلم يذكره للملك {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41) وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} يوسف: 41-42
أمضى سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام بعدها في سجنه بضع سنين، فلما أراد الله سبحانه وتعالى أن يُعجِّل له بالفرج هيّأ لذلك الأسباب. وذلك أن الملك رأى في منامه سبع بقرات سمان يأكلهن سبعٌ عجاف، وسبع سنابل خضر يأكلهن سبع يابسات. فانزعج لما رأى، ودعا السحرة والعلماء يسألهم عن تأويل هذا الذي رآه، فلم يجد عند أحد منهم جواباً. ثم إن عزيز مصر علم بأمر سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام من رئيس سقاته الذي كان معه في السجن. فأرسله إليه يستفتيه، فأخبر سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام ملك مصر بالخبر اليقين، وهو أنه سيأتي على مصر سبع سنين مُخصبة يتبعها سبع سنين مجدبة تأتي على مخزون السنين السبع السابقة. لذلك فإن عليهم الاقتصاد في سنين الخصب والادّخار من أيام الرخاء لأيام الشدة والشقاء
سُرَّ الملك بتأويل سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام لرؤياه، وأعجبته حكمته، فقرّبه منه وعيَّنه أميناً على مخازن الحبوب في مصر. وكان سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام قد أصرَّ على عدم الخروج من السجن قبل أن تُعلن براءته مما اتهم به، بل وتثبت هذه التهمة على الجاني الحقيقي وهي امرأة العزيز. وقد تحقق له ذلك بظهور الحجج الدامغة على براءته من جهة، وإدانتها هي من جهة أخرى. وأكّدن النساء أنه لم يظهر أي سوء من سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام. وظهر الحق باعتراف امرأة العزيز بعد ذلك اعترافًا شخصيًا لا لبس فيه ولا غموض حيث اعترفت بأنها هي التي راودته عن نفسه فاستعصم، فتابت {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} يوسف: 51
مرت السنوات السبع المُخْصبة وأعد سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام فيها عدته، ثم جاءت السبع المجدبة فاشتد الجدب في أنحاء الأرض. ولما علم سكان بلاد كنعان بوجود الطعام في مصر، أرسل سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام أولاده إليها لشراء حاجتهم منه. فعرفهم سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام دون أن يعرفوه، فجهّزهم بالطعام، وأكرمهم واشترط عليهم إحضار أخيهم بنيامين في المرة القادمة إن أرادوا الطعام. وأمر سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام غلمانه أن يدسوا في رحال إخوته الفضة التي جاءوا يبتاعون بها، ليكون ذلك أدعى لعودتهم. ويبدو أن القحط كان شديدًا مما جعل سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام يسمح بسفر ابنه، لكنه فعل ذلك بشروط اشترطها على أولاده
لكن بنيامين استُبْقي عند سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام في رحلتهم الثانية إلى مصر متهمًا بسرقة صواع الملك (وهو إناء يشرب فيه الملك). وكانت فكرة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام أن يفعل ذلك كي يبقي أخيه عنده. وكان هؤلاء الإخوة قد حاولوا تخليصه من الاحتجاز والعودة به إلى بلاد كنعان تنفيذًا لشروط أبيهم، وأبدوا من أجل ذلك استعدادهم أن يستبدلوا ببنيامين واحدًا منهم. لكن محاولاتهم فشلت لتعهُّدهم السابق بأن من وُجد الصواع في رحله يؤخذ عبداً للملك. وهكذا عاد إخوة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام دون بنيامين، وأخبروا أباهم عليه الصلاة والسلام بما حدث، فلم يصدقهم وزاد به الحزن حتى ابيضت عيناه وفقد بصره
رد سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام أولاده إلى مصر للمرة الثالثة، ليشتروا طعامًا، وليتحسسوا له شأن سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام وأخيه. وفي هذه المرة كشف لهم سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام عن نفسه. ولام إخوته على ما سبق أن فعلوه به، لكنه سأل الله عز وجل أن يغفر لهم. أما سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام، وقد امتُحن حقبةً من الدهر، فقد أحس، بما لديه من بصيرة الإيمان، بقرب لقاء سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام بعد أن غادرت العير أرض مصر
وما لبث أن جاءه البشير يلقي عليه قميص سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام الذي أرسله مع إخوته، فارتد سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام بصيرًا وقرّت عينه. ثم شد سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام وآله أجمعون رحالهم إلى مصر، فلما دخلوا على سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام سجدوا له أبواه وإخوته الأحد عشر تكريماً له. عند ذلك قال سيدنا يوسف لأبيه عليهما الصلاة والسلام {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} يوسف: 100-101
ذكرالله عز وجل اسم يوسف في القرآن الكريم (دون اسم سورة يوسف) 27 مرة، أكثر المرات ذكرت في سورة يوسف. وذُكر اسمه مرتين في نفس الآية في الآية رقم 90 من سورة يوسف
كان لسيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام اثنا عشر ولدًا ذكرًا. وكان سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام فتىً جميل الصورة، أثيرًا عند أبيه، يخصُّه بقسم عظيم من محبته. وكان ذلك سببًا في غيرة إخوته عليه، وسبباً في محنته التي كانت خيرًا وبركة عليه، وعلى مصر، وعلى الأمم القريبة منها. وكان لسيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام أخاً يدعى بنيامين، وهما الأخوان الوحيدان من نفس الأم، راحيل
رأى سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام يومًا في منامه، وكان صغيراً أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر ساجدين له. فمضى إلى أبيه يعقوب عليه الصلاة والسلام يخبره بذلك، فطلب منه والده يعقوب عليه الصلاة والسلام ألّا يقصَّ ذلك على إخوته لئلا يكيدوا له. أما إخوته الذين غاظهم إيثار أبيهم لسيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام وعطفه عليه، فكانوا يُضمرون له الشر، ويتحينون الفرصة لإيقاع الأذى به؛ لكـي يخلو لهم وجه أبيهم {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} يوسف: 4-5
وفي أحد الأيام طلب الأبناء من أبيهم إرسال سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام معهم يرتع ويلعب، وتعهدوا بالمحافظة عليه وحمايته من السوء. فوافق سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام بعد تردد. وهناك ألقوا به في بئر عميقة قليلة الماء، بعد أن جرَّدوه من قميصه ولطَّخوا القميص بدم كذب. ثم جاءوا أباهم عليه الصلاة والسلام عشاء ًيبكون، مدعين أن ذئبًا قد افترس سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام حين كان يحرس لهم متاعهم، بينما كانوا يستبقون. لكن سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام أدرك مكيدتهم ففوض أمره إلى الله عز وجل
وجاءت سيارة (قافلة من المسافرين ليلاً) فأرسلوا واردهم، فأدلى دلوه في الجب (البئر)، فتعلق به سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام، فصاح الرجل: يا بشراي هذا غلام. فخرج سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام سالمًا، فأخذوه معهم إلى مصر، واشتراه العزيز حاكم مصر، فصار أثيرًا عنده؛ إذ جعله صاحب أمره ونهيه، والمتصرف في كل شيء في بيته. وقد أعطى الله سبحانه وتعالى سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام الهداية والتربية والتوفيق، وعلَّمه من لدنه علمًا عظيمًا
وما كاد سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام يخلد إلى حياة هادئة في منزل العزيز حاكم مصر حتى جاءته محنة أخرى؛ ذلك أن امرأة العزيز نظرت إلى سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام، فشغفها جمال صورته وجميل خَلْقِهِ. إلى أن جاء يوم دعته فيه إلى نفسها، وهي على ماهي عليه من الجمال والمال والمنصب والشباب، فأبى وامتنع عنها إيمانًا منه بالله سبحانه وتعالى الذي يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، من جهة، واعترافاً بنعمة سيده عليه وحفظًا لأمانته، من جهة أخرى. فأرادت به كيدًا، وأبلغت زوجها أن سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام راودها عن نفسها. لكن تبيَّن لزوجها صدق سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام وكذبها بعد أن شهد شاهد من أهلها عليها، فوجه إليها اللَّوْم، وذلك بأن يروا قميص سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام؛ إن كان ممزقاً من الأمام فإن سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام المخطئ، وإن كان قمصيه ممزق من الخلف فإنها هي المخطئة. فكانت النتيجة أن القميص قد تمزّق من الخلف. وأمر العزيز زوجته بالاستغفار لذنبها، كما أمر سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام بكتمان الخبر
شاع في أرجاء المدينة نبأ حادثة امرأة العزيز وفتاها سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام. فجاءت امرأة العزيز بإحضار النساء التي كانت تعرفهن إلى قصرها، وأحضرت سكاكين لطعامهن أثناء ضيافتهن، فلما أمسكن بالسكاكين طلبت امرأة العزيز من سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام أن يخرج عليهن، فعندما خرج فوجئن النساء بجماله فقطّعن أيديهن بالسكاكين دون أن يشعرن
قال سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام أن السجن أحب إليه من كيدهن. فاستجاب الله عز وجل لدعائه. ورأى العزيز أنه لا يمحو العار، ويكف ألسنة الناس عنهم، إلّا وضع سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام في السجن على غير جريمة أتاها، فاستقبل فيه محنة جديدة تلقاها بقلب الصابرين وعزم المؤمنين الموقنين
ودخل السجن مع سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام فتيان كانا يعملان عند ملك مصر الريان بن الوليد: أحدهما كبير الخبازين عند الملك، والثاني رئيس سُقَاته، فلما رأيا سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام أعجبهما صمْته وهدْيه، وقوله وفعله، وكثرة عبادته لربه عز وجل. وفي يوم رأى كل واحد منهما رؤيا قد أهمَّتهما، فأسرعا إلى سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام يستفتيانه في أمرهما. فقال لهما سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام أن أحدهما سيخرج من السجن وسيسقي ربّه أي سيّده خمراً، والآخر -الذي رأى أنه يحمل على رأسه خبزاً- فإنه سيخرج وسيُصلب ويُترك، فتأكل الطير من رأسه. ولم يحدّد سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام الشخص الذي قد فسّر رؤياه له، وذلك كي لا يحزن الفتى الذي سيُصلب، والله سبحانه وتعالى أعلم. وقَضي الأمر الذي فيه كانا يستفتيان، سواء صدّقاه أم كذّباه. وقد تحقق تأويل سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام لرؤياهما فيما بعد، إذ إن تأويل الرؤيا جزءٌ مما هداه ربه عز وجل إليه وعلَّمه إياه. وخرجا الفتيان من السجن، وقال سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام للساقي الذي أيقن بأنه نجا بأن لا ينسى أن يذهب لملك مصر ويقول له بأن سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام دخل السجن وهو مظلوم. ولكن الشيطان أنسى الساقي، فلم يذكره للملك {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41) وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} يوسف: 41-42
أمضى سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام بعدها في سجنه بضع سنين، فلما أراد الله سبحانه وتعالى أن يُعجِّل له بالفرج هيّأ لذلك الأسباب. وذلك أن الملك رأى في منامه سبع بقرات سمان يأكلهن سبعٌ عجاف، وسبع سنابل خضر يأكلهن سبع يابسات. فانزعج لما رأى، ودعا السحرة والعلماء يسألهم عن تأويل هذا الذي رآه، فلم يجد عند أحد منهم جواباً. ثم إن عزيز مصر علم بأمر سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام من رئيس سقاته الذي كان معه في السجن. فأرسله إليه يستفتيه، فأخبر سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام ملك مصر بالخبر اليقين، وهو أنه سيأتي على مصر سبع سنين مُخصبة يتبعها سبع سنين مجدبة تأتي على مخزون السنين السبع السابقة. لذلك فإن عليهم الاقتصاد في سنين الخصب والادّخار من أيام الرخاء لأيام الشدة والشقاء
سُرَّ الملك بتأويل سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام لرؤياه، وأعجبته حكمته، فقرّبه منه وعيَّنه أميناً على مخازن الحبوب في مصر. وكان سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام قد أصرَّ على عدم الخروج من السجن قبل أن تُعلن براءته مما اتهم به، بل وتثبت هذه التهمة على الجاني الحقيقي وهي امرأة العزيز. وقد تحقق له ذلك بظهور الحجج الدامغة على براءته من جهة، وإدانتها هي من جهة أخرى. وأكّدن النساء أنه لم يظهر أي سوء من سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام. وظهر الحق باعتراف امرأة العزيز بعد ذلك اعترافًا شخصيًا لا لبس فيه ولا غموض حيث اعترفت بأنها هي التي راودته عن نفسه فاستعصم، فتابت {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} يوسف: 51
مرت السنوات السبع المُخْصبة وأعد سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام فيها عدته، ثم جاءت السبع المجدبة فاشتد الجدب في أنحاء الأرض. ولما علم سكان بلاد كنعان بوجود الطعام في مصر، أرسل سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام أولاده إليها لشراء حاجتهم منه. فعرفهم سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام دون أن يعرفوه، فجهّزهم بالطعام، وأكرمهم واشترط عليهم إحضار أخيهم بنيامين في المرة القادمة إن أرادوا الطعام. وأمر سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام غلمانه أن يدسوا في رحال إخوته الفضة التي جاءوا يبتاعون بها، ليكون ذلك أدعى لعودتهم. ويبدو أن القحط كان شديدًا مما جعل سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام يسمح بسفر ابنه، لكنه فعل ذلك بشروط اشترطها على أولاده
لكن بنيامين استُبْقي عند سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام في رحلتهم الثانية إلى مصر متهمًا بسرقة صواع الملك (وهو إناء يشرب فيه الملك). وكانت فكرة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام أن يفعل ذلك كي يبقي أخيه عنده. وكان هؤلاء الإخوة قد حاولوا تخليصه من الاحتجاز والعودة به إلى بلاد كنعان تنفيذًا لشروط أبيهم، وأبدوا من أجل ذلك استعدادهم أن يستبدلوا ببنيامين واحدًا منهم. لكن محاولاتهم فشلت لتعهُّدهم السابق بأن من وُجد الصواع في رحله يؤخذ عبداً للملك. وهكذا عاد إخوة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام دون بنيامين، وأخبروا أباهم عليه الصلاة والسلام بما حدث، فلم يصدقهم وزاد به الحزن حتى ابيضت عيناه وفقد بصره
رد سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام أولاده إلى مصر للمرة الثالثة، ليشتروا طعامًا، وليتحسسوا له شأن سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام وأخيه. وفي هذه المرة كشف لهم سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام عن نفسه. ولام إخوته على ما سبق أن فعلوه به، لكنه سأل الله عز وجل أن يغفر لهم. أما سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام، وقد امتُحن حقبةً من الدهر، فقد أحس، بما لديه من بصيرة الإيمان، بقرب لقاء سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام بعد أن غادرت العير أرض مصر
وما لبث أن جاءه البشير يلقي عليه قميص سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام الذي أرسله مع إخوته، فارتد سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام بصيرًا وقرّت عينه. ثم شد سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام وآله أجمعون رحالهم إلى مصر، فلما دخلوا على سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام سجدوا له أبواه وإخوته الأحد عشر تكريماً له. عند ذلك قال سيدنا يوسف لأبيه عليهما الصلاة والسلام {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} يوسف: 100-101
ذكرالله عز وجل اسم يوسف في القرآن الكريم (دون اسم سورة يوسف) 27 مرة، أكثر المرات ذكرت في سورة يوسف. وذُكر اسمه مرتين في نفس الآية في الآية رقم 90 من سورة يوسف