محمد صلى الله عليه وسلم
أشرف وخاتم الأنبياء والمرسلين وأشرف الخلق، أعظم رجل في التاريخ ولن يكون هناك أن شخص مثله، صاحب وذكاء وتواضع وخُلُقٍ عظيم. إنه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. معجزته الكبرى القرآن الكريم الذي لم ولن يستطيع أي أحد بأن يأتي بمثله
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وعدنان من نسل إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام. وأخواله من بني زهرة، لأنّ أمّه آمنة بنت وهب كانت منهم. ويلتقي نسبه صلى الله عليه وسلم بنسبها عند كلاب بن مرة. فهو خيار من خيار من خيار
ولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بمكة يتيم الأب، في يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول عام الفيل (570م). مات والده وهو جنين عمره شهران، وعند ولادته، كفله جده عبد المطلب. وماتت والدته عندما بلغ السادسة. ومات جده عبد المطلب عندما بلغ الثامنة من عمره، فكفله عمه أبو طالب، وظل في رعايته إلى أن توفي قبل الهجرة إلى المدينة بنحو ثلاث سنوات. ومن أشهر من أرضعه: ثويبة (جارية عمه أبي لهب) وحليمة بنت أبي ذؤيب السعدية، وقد حلت الخير والبركة في أهل حليمة السعدية عندما كانت ترضعه
عُرِف صلى الله عليه وسلم بأسماء كثيرة، أوصلها أحد العلماء إلى خمسمائة اسم، غير أن كثيرًا منها لم يثبت بأسانيد صحيحة. ومن أسمائه الثابتة: محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب والخاتم والمقفى ونبي الرحمة ونبي الملاحم والبشير والنذير ورحمة العالمين. وقد سُمي بعض العرب باسم محمد لما شاع قبيل ميلاده من أن نبيًا اسمه محمد سيبعث. أما كنيته فقد كني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي القاسم، وأمر أن نسمي باسمه ولا نكني بكنيته في حياته. كناه جبريل عليه السلام بأبي إبراهيم، ولكنه عزّ عليه أن تطغى هذه الكنية على كنيته التي عرف بها
عندما بلغ عمره اثنتي عشرة سنة، سافر الرسول صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب في تجارة إلى الشام. والتقى في هذه الرحلة بالراهب بَحِيرَى بمدينة بصرى الشام، فعرفه الراهب بصفته التي عرفها في كتب أهل الكتاب. ومما قاله عنه: هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين، فقيل له: وما علمك بذلك؟ قال: إنكم حين أقبلتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدًا، ولا تسجد إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه، وحذر عمه من الذهاب به إلى أرض الروم، حيث يتربصون به لقتله، فرده عمه إلى مكة. وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حرب الفِجار مع أعمامه، وهي حرب خاضتها قريش مع كنانة ضد قيس عيلان من هوازن دفاعًا عن قداسة الأشهر الحرم ومكانة بيت الله الحرام. ثم خرج ثانية إلى الشام في تجارة لخديجة بنت خويلد رضي الله عنها، مع غلامها ميسرة، فرأى ميسرة ما بهره من أحواله، فأخبر سيدته بما رأى، فرغبت في الزواج منه، فتزوجها وله من العمر خمس وعشرون سنة ولها من العمر أربعون سنة. وقد تزوجت رضي الله عنها قبله من رجلين، أنجبت من أحدهما ولدًا وبنتًا، ومن الآخر بنتًا
من أهم الإرهاصات الدالة على نبوته قوله صلى الله عليه وسلم : "أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورؤيا أمي التي رأت حين حملت بي كأن نورًا خرج منها أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام". رواه أحمد والحاكم بإسناد صحيح. ولما ولدته، وضعته، كعادة الجاهليين، تحت بُرْمَة (قِدْر). فلما أصبحت، وجدت أن البرمة قد انفلقت جزءين، وعيناه إلى السماء، فتعجب الناس من ذلك. وفي يوم مولده، قال يهودي لقريش:" ولد فيكم هذه الليلة نبي هذه الأمة الأخيرة، بين كتفيه علامة، فيها شعرات متواترات كأنهن عرف فرس". ووجدت قريش الصفة التي ذكرها اليهودي. وعندما أخذته حليمة السعدية لترضعه، در ثدياها اللبن أكثر من المعتاد، فارتوى منه سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم وابنها الذي كان يبكي من الجوع لجفاف ثديي أمه. وامتلأ ضرع راحلتها باللبن بعد أن كان يابسًا، فشبعت منه مع زوجها. وأضحت راحلتها نشطة قوية، تسير في مقدمة الركب، بعد أن كانت عاجزة تسير في مؤخرة الركبان. وحيثما حلت، كانت أغنام حليمة تجد مرعىً خصبًا، فتشبع وتحلب كثيرًا، ولا تجد أغنام غيرها شيئًا. وكان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ينمو نموًا سريعًا، لا يشبه نموه نمو الغلمان. طهره الله عز وجل من دنس الجاهلية وحماه من عبادة الأوثان ومنحه كل خُلق جميل، حتى عرف في الجاهلية بإسم الصادق الأمين
قال صلى الله عليه وسلم: "ما من نبي إلّا وقد رعى الغنم. قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: نعم. كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة". رواه البخاري
لما بنت قريش الكعبة إثر تهدمها بالسيل، قبيل مبعثه صلى الله عليه وسلم بخمس سنوات، كان يشارك في البناء بحمل الحجارة إلى البنائين. وعندما وصل البناء إلى موضع الحجر الأسود، اختلف الناس فيمن يضعه في مكانه، وكادت الحرب تقع بين بطون قريش، وارتضوا في النهاية أن يحكِّموا أول من يطلع عليهم، فطلع عليهم محمد صلى الله عليه وسلم فارتضوه حكمًا لصدقه وأمانته، فوضعه على ثوب، رفعت كل قبيلة ناحية منه، ثم تناوله صلى الله عليه وسلم ووضعه في مكانه
جاءه جبريل عليه السلام بأول سورة من القرآن الكريم، سورة العلق، في رمضان من العام الأربعين لمولده وهو يتعبد في غار حراء. قال له جبريل عليه السلام: "إقرأ"، قال صلى الله عليه وسلم: "ما أنا بقارئ"، فضمه جبريل عليه السلام وقال له مرة أخرى: "إقرأ"، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما أنا بقارئ"، ثم ضمه للمرة الثانية حبريل عليه السلام وقال له للمرة الثالثة: "إقرأ"، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما أنا بقارئ"، فقال له جبريل عليه السلام: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} العلق: 1. فعندما قرأ عليه جبريل عليه السلام سورة العلق، قطع صلى الله عليه وسلم خلوته وعاد مرتعدًا إلى زوجته خديجة رضي الله عنها، فثبتته وبشرته بالنبوة. وكانت رضي الله عنها أول من أسلم ومن برسالته من بين الرجال والنساء، وأخذته إلى قريبها ورقة بن نوفل رضي الله عنه الذي كان يبحث عن دين الحق بد تركت،ه عبادة الأصنام فأكد على ما قالته وصدقه، وتمنى لو كان شابًا قويًا لينصره حين ظهوره. ويعتبر ورقة أول من صدّق كلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعد خديجة رضي الله عنها، ولكنه مات قبل ظهور الإسلام. وانقطع الوحي مدةً قصيرة، ثم أنزل الله عز وجل عليه سورة المدثر، وفيها أمره الله سبحانه وتعالى أن يدعو قومه إلى الإسلام، ثم تتابع نزول الوحي حتى وفاته، واستغرق ذلك 23 عاماً. وكان أول من استجاب له من الرجال صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ومن الصبيان ابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومن الموالي مولاه زيد بن حارثة. وقد أسلم بدعوة من أبي بكر جماعة، منهم: عثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبدالرحمن بن عوف، وعثمان بن مظعون، وأبو سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنهم جميعاً. وكان صلى الله عليه وسلم يلتقي بأصحابه سرًا في دار الأرقم إلى حين إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أعز الله عز وجل به الإسلام، فانتقلت الدعوة إلى مرحلة الجهر
دعا صلى الله عليه وسلم الناس إلى عبادة الله عز وجل وحده دون سواه وإلى إفراده سبحانه بالألوهية والربوبية، كما دعا إلى محاربة كل أنواع الكفر والشرك، ظاهره وخفيه، وإلى الإيمان بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وإلى إقامة أركان الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام (من استطاع إليه سبيلاً). وكان صلى الله عليه وسلم خُلقه القرآن الكريم، يطبقه في تعامله وعبادته وجهاده، وفي مختلف جوانب حياته، وربَّى أصحابه على ذلك. كما تميز الرسول صلى الله عليه وسلم في خلقه باليسر والسماحة، والعفو عمن آذاه، وبالإنصاف، والتواضع والأمانة والعدل، وبالشجاعة والصبر. اجتمعت فيه كل فضائل الخير وخصاله، وبرئت نفسه من كل صفات الشر وخصاله
ولقد بُعث كل نبي لأمة بعينها وفي زمن بعينه، أما دعوته صلى الله عليه وسلم فكانت للعالمين في كل زمان وكل مكان إلى قيام الساعة، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} الأعراف: 158. وقال سبحانه وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} الأنبياء: 107. وهي دعوة تشمل جميع مناحي الحياة، صغيرها وكبيرها، بما ينفع الإنسانية في الدنيا والآخرة
تحمل المستضعفون من المسلمين الأوائل القسط الأكبر من تعذيب قريش بمكة ليصدوهم عن الإسلام، خصوصًا بلال بن رباح وأمه حمامة وخباب بن الأرتّ وآل ياسر (ياسر وابناه عمار وعبدالله وأمهما سمية بنت خياط) رضي الله عنهم جميعاً. وكان الجهاد في ذلك الوقت لدى المسلمين هو الصبر، فكان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: "صبراً آل ياسر، فإنَّ موعدَكم الجنة". وأما عمار رضي الله عنه، فقد شددوا عليه العذاب بالحرِّ تارة، وبوضع الصخر الأحمر على صدره أخرى، وبغطه في الماء حتى كان يفقد وعيه، وقالوا له: لا نتركك حتى تسب محمدًا، أو تقول في اللات والعزى خيرًا، فوافقهم على ذلك مُكْرَهَا. عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه قال: "أخذ المشركون عمار بن ياسر رضي الله عنه فلم يتركوه حتى سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما وراءك؟ قال: شر يا رسول الله، ما تُرِكْتُ حتى نِلْتُ منك وذكرت آلهتهم بخير، قال: كيف تجد قلبك؟ قال: أَجِدُ قَلْبِي مطمئناً بالإيمان، قال: فإن عادوا فعد". فأنزل الله تعالى {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} النحل: 106. رواه الحاكم. أصاب أبو جهل سمية رضي الله عنها بحربة في مقتل، وهي تحت التعذيب وهي أول شهيدة في الإسلام. ومات ياسر من أثر التعذيب، وذهب بصر زنيرة. وكان أبو بكر رضي الله عنه يشتري المعذبين من الموالي ويعتقهم، منهم: بلال وأمه وعامر بن فهيرة وأم عبيس وزنيرة والنهدية واختها ولبينة ـ جارية بني عدي رضي الله عنهم جميعاً
وعندما اشتد البلاء بالمسلمين، أذن لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى الحبشة. هاجر في المرة الأولى أحد عشر رجلاً وأربع نسوة (على الأرجح) وفي المرة الثانية، هاجر إثنان وثمانون رجلاً وإحدى عشرة امرأة، ومن الناس الذين هاجروا الهجرتين هو عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وزوجته رقية بنت الرسول صلى الله عليه وسلم
كان من أبرز هذه الأساليب: محاولة التأثير على عمه أبي طالب ليكفه عن دعوته؛ وجهوا له الاتهامات الباطلة، إذ اتهموه بالجنون والسحر والكذب والإتيان بالأساطير، كما زعموا أن القرآن من عند البشر؛ سخروا منه وشوّشوا عليه حينما كان يقرأ القرآن الكريم، ساوموه على ترك الدعوة؛ بالإضافة إلى السب والترغيب والترهيب والاعتداء الجسدي والمقاطعة العامة، ومحاولة قتل الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة وشن الحرب عليه بالمدينة، وواجههم الرسول والمسلمون في معارك بدر وأحد والخندق وحنين
توفي أبو طالب في السنة العاشرة من البعثة، وعلى إثره توفيت زوجه خديجة رضي الله عنها. وحزن صلى الله عليه وسلم كثيراً على فراقهما، ولما توفي عمه آذته قريش بأكثر مما كانت تفعل من قبل، فخرج إلى الطائف ملتمسًا المنعة من أهلها وراجيًا أن يقبلوا الإسلام، فأغلظوا له في الرد وأغروا به السفهاء فرموه بالحجارة حتى أدموه صلى الله عليه وسلم. ولم يؤمن به إلا مولى لهم يدعى عدَّاسًا. وفرج الله عز وجل همه في طريق عودته إلى مكة، حين بعث الله عز وجل إليه مَلَك الجبال ليأمره بما يشاء في معاقبة أهل الطائف كأن يطبق عليهم الأخشبين (وهما جبلان)، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلّا أن قال: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا". متفق عليه. ثم دخل مكة في حماية المطعم بن عدي، وقد أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم على عام وفاة أم المؤمنين وعمه أبي طالب اسم عام الحزن
وفي إحدى الليالي جاءت معجزة الإسراء والمعراج تكريمًا وتثبيتًا لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاة عمه الذي كان يحميه، وزوجته التي كانت تواسيه، وبعد ما أصابه في الطائف ومكة وما أصابه من أذى المشركين. وتمثل الإعجاز هنا في حضور الملاك جبريل عليه السلام وكان معه دابة تدعى بالبُراق، فركبها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس بروحه وجسده (الإسراء)، ثم صعوده إلى السماء (المعراج)، وهناك رأى عرش الله عز وجل والجنة والنار، ثم عاد إلى بيت المقدس وثم إلى مكة المكرمة قبل حلول الفجر. ووقع هذا كله في جزء من ليلة. ومن النعم التي أحضرها النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس. كانت في البداية خمسون صلاة، ثم طلب منه سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام في السماء السادسة أن يسأل الله عز وجل ليخفف الصلوات، لأن أمته لن تقدر على ذلك، فرجع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى لله سبحانه وتعالى، فخفف الله سبحانه وتعالى الصلوات. ثم عاد إلى سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام، فقال له نفس الطلب، أي يخفف الصلوات أكثر. ثم رجع النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل. بقي على هذا الحال حتى أن أصبحت الصلوات من خمسين إلى خمس، وبعدما طلب منه سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام نفس الطلب، قال له سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه استحى من الله عز وجل من كثرة ذهابه إليه وطلبه من تخفيف الصلوات. فقال الله عز وجل من صلّى الصلوات الخمس كل يوم كتبت له أجر خمسين صلاة
كانت مواسم الحج وأسواق العرب مناسبات مهمة يلتقي الرسول صلى الله عليه وسلم فيها بالناس، ولا سيّما بذوي الشأن منهم، ويطلب إليهم أن يحموه ليبلغ رسالة ربه عز وجل، وكان ممن استجاب له، في العام الحادي عشر من مبعثه، ستة من الخزرج (من قبائل المدينة). وفي العام التالي، بايعه عند العقبة اثنا عشر رجلاً من رجال المدينة، عرفوا بالأنصار، وعرفت بيعتهم باسم بيعة العقبة الأولى. وبايعه في العام الثالث عشر، عند العقبة أيضًا ـ بيعة حماية ونصرة ـ اثنان وسبعون رجلاً وامرأتان من الأنصار، عرفت بيعتهم ببيعة العقبة الثانية، وتمثل هذه البيعات الأساس الذي هاجر عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه إلى المدينة، حيث قامت الدولة الإسلامية، بعد قضاء ثلاث عشرة سنة بمكة
أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى المدينة المنورة، فتسللوا إليها سرًا، أفرادًا وجماعات، وتخلف بعضهم لأعذار. واتخذ النبي صلى الله عليه وسلم الاحتياطات اللازمة للإفلات من الكفار الذين قرروا قتله. من ذلك أنه اتجه مع أبي بكر رضي الله عنه جنوبًا، حيث مكثا في غار ثور ثلاثة أيام حتى خَفَّ تتبعه وطلب اللحاق به. وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تحمل إليهما الطعام، وكان عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنه يتسمع ما يقال بمكة، ثم يذهب إليهما ليخبرهما. ومع أن عامر بن فهيرة (مولى أبي بكر رضي الله عنه) كان يأتي بالغنم ليخفي آثار الأقدام، ويسقيهما من ألبانها، اقتفى الكفار أثرهما إلى باب الغار، ولكن الله عز وجل أعماهم عنهما بنسيج العنكبوت على باب الغار وجعلت قريش ديتهما جائزة لمن يعثر عليهما، لكن الله سبحانه وتعالى حمى نبيه من كل سوء كما حماه في الطريق إلى المدينة المنورة من سراقة بن مالك ـ أحد طلاب جائزة قريش ـ حين غاصت أرجل فرسه في الأرض وطلب الأمان. ومرَّ ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى المدينة بخيمة أم معبد الخزاعية، حيث مس الرسول صلى الله عليه وسلم ضرع شاة لها عجفاء فحلبت لهم فارتوى الجميع، وهي إحدى معجزاته صلى الله عليه وسلم. وهنا بدأت السنة الهجرية
:فرح الأنصار بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، وأنشد مستقبلوه مرحبين
طلع البدر علينــــا مـن ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا مــــا دعــا لله داع
ونزل النبي صلى الله عليه وسلم في دار أبي أيوب الأنصاري حتى تم بناء منزله. ثم بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم ببناء مسجد قُباء، أول مسجد في الإسلام، وشارك في البناء. وآخى الرسول بين المهاجرين والأنصار ليشد بعضهم أزر بعض، ثم كتب صحيفة، بين المسلمين من جهة واليهود والمشركين من جهة أخرى، لتنظيم العلاقات فيما بينهم
قاد صلى الله عليه وسلم خلال الإحدى عشرة سنة التي عاشها بالمدينة نحوًا من تسع وعشرين غزوة، لم يقاتل فيهن كلهن، فكان هناك 11 معركة حدث فيهن قتال والباقي لم يحدث فيهن قتال إنما حقّق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فيهن أهدافه. وأرسل نحوًا من أربع وخمسين سرية وخمسة بعوث. ومن أشهر الغزوات: بدر الكبرى، أُحد، بنو قينقاع، بنو النضير، ذات الرقاع، الخندق (الأحزاب)، بنو قريظة، بنو المصطلق (المريسيع)، الحديبية، خيبر، فتح مكة، حنين، تبوك. ومن أشهر السرايا: الخبط (سيف البحر)، نخلة، مؤتة. ومن أشهر البعوث: الرجيع، بئر معونة
وقد نجحت هذه الغزوات والسرايا في أهدافها، خصوصًا في إضعاف العدو، وحصول المسلمين على موارد مادية لتقوية جيوشهم، كما أدت هذه الغزوات والسرايا إلى هزيمة المشركين في النهاية
وفي العام السادس للهجري رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام وأخذ مفتاح الكعبة وطافوا واعتمروا، فكانت بشرى من الله عز وجل بفتح مكة فيما بعد واستعد الرسول صلى الله عليه وسلم للعمرة وخرج معه عدد كبير من المسلمين. ولما سمعت بذلك قريش استعدت للحرب وساق الرسول صلى الله عليه وسلم الهدي دلالة على عدم نية الحرب، وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه ليرى رأي قريش، واحتجزت قريش عثمان فترة وأشيع نبأ قتله، وبايع الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان وظلت المراسلات بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين قريش حتى أن انتهت بأن أرسلت قريش سهيل بن عمرو ليعقد صلح الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من ضمن بنوده وقف الحرب بين الفريقين عشر سنين وللقبائل أن تدخل في حلف النبي صلى الله عليه وسلم أو في حلف قريش، وأنه من فر من المسلمين إلى قريش لا ترده قريش ومن فر من قريش إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يرده الرسول صلى الله عليه وسلم. ومع أن الظاهر في بعض بنود هذه المعاهدة الظلم من قريش إلّا أنها أتاحت الفرصة لإنتشار الإسلام واعتراف قريش بالمسلمين كقوة فدخل عدد كبير الإسلام بعد هذه الهدنة، وأسلم بعض أبطال قريش كعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة رضي الله عنهم
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عدة رسائل إلى رؤساء البلاد داخل الجزيرة العربية وخارجها يدعوهم فيها إلى الإسلام، وذلك بعد صلح الحديبية الذي أبرم في العام السادس الهجري. وممن أرسل إليهم: النجاشي الحبشي، وكسرى الفارسي، وهِرَقل (قيصر) الروم، والمقوقس القبطي المصري، والحارث بن أبي شمر الغساني، وهوذة بن علي الحنفي اليمامي، والمنذر بن ساوي العبدي البحريني، ثم ابنا الجلندي العمانيان. أسلم بالرسالة بعض الناس، كالمنذر البحريني وكذلك النجاشي، لكن النجاشي مات وهو في طريقه لمقابلة الرسول صلى الله عليه وسلم، فأمر صلى الله عليه وسلم بصلاة الجنازة على النجاشي. بينما المقوقس أعجب بالكلام لكنه لم يُسلم، وكذلك هِرقل، ولكن منصبه وثرواته جعلته أن لا يترك ديانته، فبقي على دينه. أما كسرى فقد مزق الرسالة عندما قرأ "من محمد رسول الله إلى عظيم كسرى"، حيث أنه غضب عند رؤية اسم سيدنا محمد صلى الله عليه وسل قبل اسمه، فلم يقرأ الرسالة
وفي الثامن للهجري نقضت قريش العهد التي كان بينها وبين المسلمين، فذهب أبو سفيان ليسترضي الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن دون فائدة، وتجهز الرسول صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف مقاتل من الصحابة لغزو مكة دون أن تعلم قريش بذلك. وفي هذه الأثناء أسلم أبو سفيان رضي الله عنه. ولما قرب الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة كان أبو سفيان قد رجع ليخبر القوم. ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة منتصرين فاتحين واتجه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة خلفه ناحية المسجد الحرام فاستلم الرسول صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود، وطاف بالبيت وهدم الأصنام التى كانت حول الكعبة ثم نادى عثمان بن طلحة وأخذ منه مفتاح الكعبة فدخلها فوجد فيها صورًا فمحاها. وخطب الرسول صلى الله عليه وسلم في قريش ثم قال لهم: "ما ترون أنى فاعل بكم"، قالوا: خيرًا أخ كريم وابن أخ كريم فقال: "فإنى أقول لكم كما قال يوسف لإخوته (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ)، اذهبوا فأنتم الطلقاء". ثم رد المفتاح إلى عثمان بن طلحة، وكان قد حان وقت الصلاة فأمر بلال بن رباح رضي الله عنه أن يصعد الكعبة فصعدها وأذّن. وأهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دم بعض من أكابر المجرمين الذين عذبوا المسلمين وآذوهم فقتل بعضهم وأسلم بعضهم. ثم أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم البيعة ممن أسلم من الرجال ثم أخذ البيعة من النساء وأقام الرسول تسعة عشر يومًا في مكة يجدد معالم الإسلام فيها، وبعث نفرًا من أصحابه لهدم الأصنام التى كان منتشرة في مكة المكرمة. وقد كان فتح مكة في العام الثامن من الهجرة وكان فتح مكة مرحلة فاصلة في تاريخ الإسلام، فقد كان لقريش مكانة عظيمة بين القبائل العربية فلما رأت القبائل قريشاً دخلت الإسلام أسرعت القبائل تدخل في دين الله أفواجًا. وأصبحت الكعبة المشرفة القِبلة الجديدة للمسلمين أثناء الصلاة حيث أن المسجد الأقصى كان القِبلة التي كان يوجهون المسلمون وجوههم للصلاة، كما قال عز وجل في كتابه العزيز: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} البقرة: 144
عندما توطدت أركان الإسلام، في العام التاسع الهجري على وجه الخصوص، قدمت وفود العرب إلى المدينة لتعلن إسلامها، ومن أشهر هذه الوفود: بنو تميم، وعبد القيس، وبنو حنيفة ونجران، وطيء، والأشعريون، وبنو عامر، وجذام، وبنو سعد، وكندة، وزبيد، وثقيف، وبنو أسد، وهمدان، وبنو سليم، وتجيب، وغامد، ومذحج
بعد أن منَّ الله عز وجل على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بتأسيس دولة الإسلام ودخول كثير من الناس الإسلام وانتشار الدعوة في أرجاء الجزيرة العربية حج الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وبين فيها كثيراً من الأحكام الشرعية و في الخامس من شهر ذي القعدة من السنة العاشرة للهجرة أعلن الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن عزمه زيارة بيت الله الحرام حاجاً فخرج معه حوالي مئة ألف من المسلمين من الرجال والنساء وقد استعمل على المدينة أبا دجانة الساعدي الأنصاري وأحرم للحج، ثم لبّى قائلاً: "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمدَ والنعمةَ لك والملك لاشريك لك". وبقي ملبياً حتى دخل مكة المكرمة وطاف بعدها بالبيت سبعة أشواط واستلم الحجر الأسود وصلّى ركعتين عند مقام سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وشرب من ماء زمزم ثم سعى بين الصفا والمروة. وفي اليوم الثامن من ذي الحجة توجه إلى مِنى فبات فيها. وفي اليوم التاسع توجه إلى عرفة فصلى فيها الظهر والعصر جمع تقديم في وقت الظهر ثم خطب خطبته الشريفة التي سميت فيما بعد خُطبة الوداع
توفي صلى الله عليه وسلم عن ثلاث وستين سنة، في ضحى يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، بعد مرض دام ثلاثة عشر يوما،ً ودفن ليلة الأربعاء، في الموضع الذي توفي فيه داخل حجرة عائشة رضي الله عنها بالمدينة المنورة. وقبل وفاته طلب من ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها بأن تقترب منه، فقال لها شيء في أذنها فبكت، ثم قال شيء آخر في أذنها فضحكت. وعندما سألتها عائشة رضي الله عنها عن ما قاله قالت فاطمة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم في المرة الأولى قال لها بأن الله عز وجل سيتوفاه، فبكت، وفي المرة الثانية قال لها بأنها ستلحق به فضحكت، وهذا ما حدث، فقد توفيت فاطمة الزهراء رضي الله عنها بعده بستة أشهر. وصلى عليه المسلمون أرسالاً (جماعة بعد جماعة) ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد
يقول الله عز وجل في كتابه العزيز: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} الأحزاب: 56
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميدٌ مجيدٌ
خص الله عز وجل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بمعجزات كثيرة، من أعظمها القرآن الكريم الذي تحدى به الله عز وجل العرب. ومنها أنّ المشركين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر، وكذلك معجزة الإسراء والمعراج. ومن المعجزات أيضاً مس الشاه التي لم تحلب فأصبحت تحلب، ومنها حنين الجذع إليه حين ترك الاستناد إليه وأخذ يخطب على المنبر. ومنها أن الماء نبع من بين أصابعه غير مرة، ومنها أن الحصى سبّحت في كفه، ومنها أن كَلَّمَتْه ذراع الشاة المسمومة، ومنها أنه ردّ عين قتادة بن النعمان عندما انخلعت يوم أحد، وتفل في عيني علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم خيبر فبرئ من الرمد. ومنها أن كسرت رجل عبدالله بن عتيك فمسحها فبرئت رجله من حينها. وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يقتل أبيّ بن خلف يوم أحد، فخدشه خدشًا يسيرًا فمات بسببه. وكَثَّرَ طعام جابر فشبع منه جيش الخندق وهم ألف. وأطعم كل أهل الخندق من تمر يسير. وغير ذلك كثير
من أبرز شمائل النبي صلى الله عليه وسلم: التقشف في الطعام والفراش والمسكن والمركب. كان لا يصيب طعامًا، ويأكل مما يجده. كان يقبل الهدية، ولا يأكل من الصدقة. كان أشجع الناس وأحلمهم وأسخاهم وأشدهم حياء وتواضعًا، حتى إنه كان يخصف نعله، ويحيك ثيابه، ويلبس الصوف، ويخدم أهله، ويعود المرضى، ويتألَّفُ أهل الشرف، ولا يغضب الله عز وجل بشيء، ويرحم الضعفاء سواءً مسلمين أم غير مسلمين حتى الأعداء منهم
ذكر الله عز وجل اسم محمد صلى الله عليه وسلم أربع مرات في القرآن الكريم (دون اسم سورة محمد)، ولم يخاطبه باسمه كما كان الأمر عند بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثل سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام وسيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام. بينما في أغلب مواضع القرآن الكريم كان الله عز وجل يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يذكر اسمه، مثل "قُل" و "يا أيُها النبي" وغيرها
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وعدنان من نسل إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام. وأخواله من بني زهرة، لأنّ أمّه آمنة بنت وهب كانت منهم. ويلتقي نسبه صلى الله عليه وسلم بنسبها عند كلاب بن مرة. فهو خيار من خيار من خيار
ولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بمكة يتيم الأب، في يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول عام الفيل (570م). مات والده وهو جنين عمره شهران، وعند ولادته، كفله جده عبد المطلب. وماتت والدته عندما بلغ السادسة. ومات جده عبد المطلب عندما بلغ الثامنة من عمره، فكفله عمه أبو طالب، وظل في رعايته إلى أن توفي قبل الهجرة إلى المدينة بنحو ثلاث سنوات. ومن أشهر من أرضعه: ثويبة (جارية عمه أبي لهب) وحليمة بنت أبي ذؤيب السعدية، وقد حلت الخير والبركة في أهل حليمة السعدية عندما كانت ترضعه
عُرِف صلى الله عليه وسلم بأسماء كثيرة، أوصلها أحد العلماء إلى خمسمائة اسم، غير أن كثيرًا منها لم يثبت بأسانيد صحيحة. ومن أسمائه الثابتة: محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب والخاتم والمقفى ونبي الرحمة ونبي الملاحم والبشير والنذير ورحمة العالمين. وقد سُمي بعض العرب باسم محمد لما شاع قبيل ميلاده من أن نبيًا اسمه محمد سيبعث. أما كنيته فقد كني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي القاسم، وأمر أن نسمي باسمه ولا نكني بكنيته في حياته. كناه جبريل عليه السلام بأبي إبراهيم، ولكنه عزّ عليه أن تطغى هذه الكنية على كنيته التي عرف بها
عندما بلغ عمره اثنتي عشرة سنة، سافر الرسول صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب في تجارة إلى الشام. والتقى في هذه الرحلة بالراهب بَحِيرَى بمدينة بصرى الشام، فعرفه الراهب بصفته التي عرفها في كتب أهل الكتاب. ومما قاله عنه: هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين، فقيل له: وما علمك بذلك؟ قال: إنكم حين أقبلتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدًا، ولا تسجد إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه، وحذر عمه من الذهاب به إلى أرض الروم، حيث يتربصون به لقتله، فرده عمه إلى مكة. وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حرب الفِجار مع أعمامه، وهي حرب خاضتها قريش مع كنانة ضد قيس عيلان من هوازن دفاعًا عن قداسة الأشهر الحرم ومكانة بيت الله الحرام. ثم خرج ثانية إلى الشام في تجارة لخديجة بنت خويلد رضي الله عنها، مع غلامها ميسرة، فرأى ميسرة ما بهره من أحواله، فأخبر سيدته بما رأى، فرغبت في الزواج منه، فتزوجها وله من العمر خمس وعشرون سنة ولها من العمر أربعون سنة. وقد تزوجت رضي الله عنها قبله من رجلين، أنجبت من أحدهما ولدًا وبنتًا، ومن الآخر بنتًا
من أهم الإرهاصات الدالة على نبوته قوله صلى الله عليه وسلم : "أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورؤيا أمي التي رأت حين حملت بي كأن نورًا خرج منها أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام". رواه أحمد والحاكم بإسناد صحيح. ولما ولدته، وضعته، كعادة الجاهليين، تحت بُرْمَة (قِدْر). فلما أصبحت، وجدت أن البرمة قد انفلقت جزءين، وعيناه إلى السماء، فتعجب الناس من ذلك. وفي يوم مولده، قال يهودي لقريش:" ولد فيكم هذه الليلة نبي هذه الأمة الأخيرة، بين كتفيه علامة، فيها شعرات متواترات كأنهن عرف فرس". ووجدت قريش الصفة التي ذكرها اليهودي. وعندما أخذته حليمة السعدية لترضعه، در ثدياها اللبن أكثر من المعتاد، فارتوى منه سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم وابنها الذي كان يبكي من الجوع لجفاف ثديي أمه. وامتلأ ضرع راحلتها باللبن بعد أن كان يابسًا، فشبعت منه مع زوجها. وأضحت راحلتها نشطة قوية، تسير في مقدمة الركب، بعد أن كانت عاجزة تسير في مؤخرة الركبان. وحيثما حلت، كانت أغنام حليمة تجد مرعىً خصبًا، فتشبع وتحلب كثيرًا، ولا تجد أغنام غيرها شيئًا. وكان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ينمو نموًا سريعًا، لا يشبه نموه نمو الغلمان. طهره الله عز وجل من دنس الجاهلية وحماه من عبادة الأوثان ومنحه كل خُلق جميل، حتى عرف في الجاهلية بإسم الصادق الأمين
قال صلى الله عليه وسلم: "ما من نبي إلّا وقد رعى الغنم. قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: نعم. كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة". رواه البخاري
لما بنت قريش الكعبة إثر تهدمها بالسيل، قبيل مبعثه صلى الله عليه وسلم بخمس سنوات، كان يشارك في البناء بحمل الحجارة إلى البنائين. وعندما وصل البناء إلى موضع الحجر الأسود، اختلف الناس فيمن يضعه في مكانه، وكادت الحرب تقع بين بطون قريش، وارتضوا في النهاية أن يحكِّموا أول من يطلع عليهم، فطلع عليهم محمد صلى الله عليه وسلم فارتضوه حكمًا لصدقه وأمانته، فوضعه على ثوب، رفعت كل قبيلة ناحية منه، ثم تناوله صلى الله عليه وسلم ووضعه في مكانه
جاءه جبريل عليه السلام بأول سورة من القرآن الكريم، سورة العلق، في رمضان من العام الأربعين لمولده وهو يتعبد في غار حراء. قال له جبريل عليه السلام: "إقرأ"، قال صلى الله عليه وسلم: "ما أنا بقارئ"، فضمه جبريل عليه السلام وقال له مرة أخرى: "إقرأ"، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما أنا بقارئ"، ثم ضمه للمرة الثانية حبريل عليه السلام وقال له للمرة الثالثة: "إقرأ"، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما أنا بقارئ"، فقال له جبريل عليه السلام: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} العلق: 1. فعندما قرأ عليه جبريل عليه السلام سورة العلق، قطع صلى الله عليه وسلم خلوته وعاد مرتعدًا إلى زوجته خديجة رضي الله عنها، فثبتته وبشرته بالنبوة. وكانت رضي الله عنها أول من أسلم ومن برسالته من بين الرجال والنساء، وأخذته إلى قريبها ورقة بن نوفل رضي الله عنه الذي كان يبحث عن دين الحق بد تركت،ه عبادة الأصنام فأكد على ما قالته وصدقه، وتمنى لو كان شابًا قويًا لينصره حين ظهوره. ويعتبر ورقة أول من صدّق كلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعد خديجة رضي الله عنها، ولكنه مات قبل ظهور الإسلام. وانقطع الوحي مدةً قصيرة، ثم أنزل الله عز وجل عليه سورة المدثر، وفيها أمره الله سبحانه وتعالى أن يدعو قومه إلى الإسلام، ثم تتابع نزول الوحي حتى وفاته، واستغرق ذلك 23 عاماً. وكان أول من استجاب له من الرجال صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ومن الصبيان ابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومن الموالي مولاه زيد بن حارثة. وقد أسلم بدعوة من أبي بكر جماعة، منهم: عثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبدالرحمن بن عوف، وعثمان بن مظعون، وأبو سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنهم جميعاً. وكان صلى الله عليه وسلم يلتقي بأصحابه سرًا في دار الأرقم إلى حين إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أعز الله عز وجل به الإسلام، فانتقلت الدعوة إلى مرحلة الجهر
دعا صلى الله عليه وسلم الناس إلى عبادة الله عز وجل وحده دون سواه وإلى إفراده سبحانه بالألوهية والربوبية، كما دعا إلى محاربة كل أنواع الكفر والشرك، ظاهره وخفيه، وإلى الإيمان بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وإلى إقامة أركان الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام (من استطاع إليه سبيلاً). وكان صلى الله عليه وسلم خُلقه القرآن الكريم، يطبقه في تعامله وعبادته وجهاده، وفي مختلف جوانب حياته، وربَّى أصحابه على ذلك. كما تميز الرسول صلى الله عليه وسلم في خلقه باليسر والسماحة، والعفو عمن آذاه، وبالإنصاف، والتواضع والأمانة والعدل، وبالشجاعة والصبر. اجتمعت فيه كل فضائل الخير وخصاله، وبرئت نفسه من كل صفات الشر وخصاله
ولقد بُعث كل نبي لأمة بعينها وفي زمن بعينه، أما دعوته صلى الله عليه وسلم فكانت للعالمين في كل زمان وكل مكان إلى قيام الساعة، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} الأعراف: 158. وقال سبحانه وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} الأنبياء: 107. وهي دعوة تشمل جميع مناحي الحياة، صغيرها وكبيرها، بما ينفع الإنسانية في الدنيا والآخرة
تحمل المستضعفون من المسلمين الأوائل القسط الأكبر من تعذيب قريش بمكة ليصدوهم عن الإسلام، خصوصًا بلال بن رباح وأمه حمامة وخباب بن الأرتّ وآل ياسر (ياسر وابناه عمار وعبدالله وأمهما سمية بنت خياط) رضي الله عنهم جميعاً. وكان الجهاد في ذلك الوقت لدى المسلمين هو الصبر، فكان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: "صبراً آل ياسر، فإنَّ موعدَكم الجنة". وأما عمار رضي الله عنه، فقد شددوا عليه العذاب بالحرِّ تارة، وبوضع الصخر الأحمر على صدره أخرى، وبغطه في الماء حتى كان يفقد وعيه، وقالوا له: لا نتركك حتى تسب محمدًا، أو تقول في اللات والعزى خيرًا، فوافقهم على ذلك مُكْرَهَا. عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه قال: "أخذ المشركون عمار بن ياسر رضي الله عنه فلم يتركوه حتى سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما وراءك؟ قال: شر يا رسول الله، ما تُرِكْتُ حتى نِلْتُ منك وذكرت آلهتهم بخير، قال: كيف تجد قلبك؟ قال: أَجِدُ قَلْبِي مطمئناً بالإيمان، قال: فإن عادوا فعد". فأنزل الله تعالى {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} النحل: 106. رواه الحاكم. أصاب أبو جهل سمية رضي الله عنها بحربة في مقتل، وهي تحت التعذيب وهي أول شهيدة في الإسلام. ومات ياسر من أثر التعذيب، وذهب بصر زنيرة. وكان أبو بكر رضي الله عنه يشتري المعذبين من الموالي ويعتقهم، منهم: بلال وأمه وعامر بن فهيرة وأم عبيس وزنيرة والنهدية واختها ولبينة ـ جارية بني عدي رضي الله عنهم جميعاً
وعندما اشتد البلاء بالمسلمين، أذن لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى الحبشة. هاجر في المرة الأولى أحد عشر رجلاً وأربع نسوة (على الأرجح) وفي المرة الثانية، هاجر إثنان وثمانون رجلاً وإحدى عشرة امرأة، ومن الناس الذين هاجروا الهجرتين هو عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وزوجته رقية بنت الرسول صلى الله عليه وسلم
كان من أبرز هذه الأساليب: محاولة التأثير على عمه أبي طالب ليكفه عن دعوته؛ وجهوا له الاتهامات الباطلة، إذ اتهموه بالجنون والسحر والكذب والإتيان بالأساطير، كما زعموا أن القرآن من عند البشر؛ سخروا منه وشوّشوا عليه حينما كان يقرأ القرآن الكريم، ساوموه على ترك الدعوة؛ بالإضافة إلى السب والترغيب والترهيب والاعتداء الجسدي والمقاطعة العامة، ومحاولة قتل الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة وشن الحرب عليه بالمدينة، وواجههم الرسول والمسلمون في معارك بدر وأحد والخندق وحنين
توفي أبو طالب في السنة العاشرة من البعثة، وعلى إثره توفيت زوجه خديجة رضي الله عنها. وحزن صلى الله عليه وسلم كثيراً على فراقهما، ولما توفي عمه آذته قريش بأكثر مما كانت تفعل من قبل، فخرج إلى الطائف ملتمسًا المنعة من أهلها وراجيًا أن يقبلوا الإسلام، فأغلظوا له في الرد وأغروا به السفهاء فرموه بالحجارة حتى أدموه صلى الله عليه وسلم. ولم يؤمن به إلا مولى لهم يدعى عدَّاسًا. وفرج الله عز وجل همه في طريق عودته إلى مكة، حين بعث الله عز وجل إليه مَلَك الجبال ليأمره بما يشاء في معاقبة أهل الطائف كأن يطبق عليهم الأخشبين (وهما جبلان)، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلّا أن قال: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا". متفق عليه. ثم دخل مكة في حماية المطعم بن عدي، وقد أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم على عام وفاة أم المؤمنين وعمه أبي طالب اسم عام الحزن
وفي إحدى الليالي جاءت معجزة الإسراء والمعراج تكريمًا وتثبيتًا لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاة عمه الذي كان يحميه، وزوجته التي كانت تواسيه، وبعد ما أصابه في الطائف ومكة وما أصابه من أذى المشركين. وتمثل الإعجاز هنا في حضور الملاك جبريل عليه السلام وكان معه دابة تدعى بالبُراق، فركبها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس بروحه وجسده (الإسراء)، ثم صعوده إلى السماء (المعراج)، وهناك رأى عرش الله عز وجل والجنة والنار، ثم عاد إلى بيت المقدس وثم إلى مكة المكرمة قبل حلول الفجر. ووقع هذا كله في جزء من ليلة. ومن النعم التي أحضرها النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس. كانت في البداية خمسون صلاة، ثم طلب منه سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام في السماء السادسة أن يسأل الله عز وجل ليخفف الصلوات، لأن أمته لن تقدر على ذلك، فرجع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى لله سبحانه وتعالى، فخفف الله سبحانه وتعالى الصلوات. ثم عاد إلى سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام، فقال له نفس الطلب، أي يخفف الصلوات أكثر. ثم رجع النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل. بقي على هذا الحال حتى أن أصبحت الصلوات من خمسين إلى خمس، وبعدما طلب منه سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام نفس الطلب، قال له سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه استحى من الله عز وجل من كثرة ذهابه إليه وطلبه من تخفيف الصلوات. فقال الله عز وجل من صلّى الصلوات الخمس كل يوم كتبت له أجر خمسين صلاة
كانت مواسم الحج وأسواق العرب مناسبات مهمة يلتقي الرسول صلى الله عليه وسلم فيها بالناس، ولا سيّما بذوي الشأن منهم، ويطلب إليهم أن يحموه ليبلغ رسالة ربه عز وجل، وكان ممن استجاب له، في العام الحادي عشر من مبعثه، ستة من الخزرج (من قبائل المدينة). وفي العام التالي، بايعه عند العقبة اثنا عشر رجلاً من رجال المدينة، عرفوا بالأنصار، وعرفت بيعتهم باسم بيعة العقبة الأولى. وبايعه في العام الثالث عشر، عند العقبة أيضًا ـ بيعة حماية ونصرة ـ اثنان وسبعون رجلاً وامرأتان من الأنصار، عرفت بيعتهم ببيعة العقبة الثانية، وتمثل هذه البيعات الأساس الذي هاجر عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه إلى المدينة، حيث قامت الدولة الإسلامية، بعد قضاء ثلاث عشرة سنة بمكة
أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى المدينة المنورة، فتسللوا إليها سرًا، أفرادًا وجماعات، وتخلف بعضهم لأعذار. واتخذ النبي صلى الله عليه وسلم الاحتياطات اللازمة للإفلات من الكفار الذين قرروا قتله. من ذلك أنه اتجه مع أبي بكر رضي الله عنه جنوبًا، حيث مكثا في غار ثور ثلاثة أيام حتى خَفَّ تتبعه وطلب اللحاق به. وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تحمل إليهما الطعام، وكان عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنه يتسمع ما يقال بمكة، ثم يذهب إليهما ليخبرهما. ومع أن عامر بن فهيرة (مولى أبي بكر رضي الله عنه) كان يأتي بالغنم ليخفي آثار الأقدام، ويسقيهما من ألبانها، اقتفى الكفار أثرهما إلى باب الغار، ولكن الله عز وجل أعماهم عنهما بنسيج العنكبوت على باب الغار وجعلت قريش ديتهما جائزة لمن يعثر عليهما، لكن الله سبحانه وتعالى حمى نبيه من كل سوء كما حماه في الطريق إلى المدينة المنورة من سراقة بن مالك ـ أحد طلاب جائزة قريش ـ حين غاصت أرجل فرسه في الأرض وطلب الأمان. ومرَّ ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى المدينة بخيمة أم معبد الخزاعية، حيث مس الرسول صلى الله عليه وسلم ضرع شاة لها عجفاء فحلبت لهم فارتوى الجميع، وهي إحدى معجزاته صلى الله عليه وسلم. وهنا بدأت السنة الهجرية
:فرح الأنصار بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، وأنشد مستقبلوه مرحبين
طلع البدر علينــــا مـن ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا مــــا دعــا لله داع
ونزل النبي صلى الله عليه وسلم في دار أبي أيوب الأنصاري حتى تم بناء منزله. ثم بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم ببناء مسجد قُباء، أول مسجد في الإسلام، وشارك في البناء. وآخى الرسول بين المهاجرين والأنصار ليشد بعضهم أزر بعض، ثم كتب صحيفة، بين المسلمين من جهة واليهود والمشركين من جهة أخرى، لتنظيم العلاقات فيما بينهم
قاد صلى الله عليه وسلم خلال الإحدى عشرة سنة التي عاشها بالمدينة نحوًا من تسع وعشرين غزوة، لم يقاتل فيهن كلهن، فكان هناك 11 معركة حدث فيهن قتال والباقي لم يحدث فيهن قتال إنما حقّق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فيهن أهدافه. وأرسل نحوًا من أربع وخمسين سرية وخمسة بعوث. ومن أشهر الغزوات: بدر الكبرى، أُحد، بنو قينقاع، بنو النضير، ذات الرقاع، الخندق (الأحزاب)، بنو قريظة، بنو المصطلق (المريسيع)، الحديبية، خيبر، فتح مكة، حنين، تبوك. ومن أشهر السرايا: الخبط (سيف البحر)، نخلة، مؤتة. ومن أشهر البعوث: الرجيع، بئر معونة
وقد نجحت هذه الغزوات والسرايا في أهدافها، خصوصًا في إضعاف العدو، وحصول المسلمين على موارد مادية لتقوية جيوشهم، كما أدت هذه الغزوات والسرايا إلى هزيمة المشركين في النهاية
وفي العام السادس للهجري رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام وأخذ مفتاح الكعبة وطافوا واعتمروا، فكانت بشرى من الله عز وجل بفتح مكة فيما بعد واستعد الرسول صلى الله عليه وسلم للعمرة وخرج معه عدد كبير من المسلمين. ولما سمعت بذلك قريش استعدت للحرب وساق الرسول صلى الله عليه وسلم الهدي دلالة على عدم نية الحرب، وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه ليرى رأي قريش، واحتجزت قريش عثمان فترة وأشيع نبأ قتله، وبايع الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان وظلت المراسلات بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين قريش حتى أن انتهت بأن أرسلت قريش سهيل بن عمرو ليعقد صلح الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من ضمن بنوده وقف الحرب بين الفريقين عشر سنين وللقبائل أن تدخل في حلف النبي صلى الله عليه وسلم أو في حلف قريش، وأنه من فر من المسلمين إلى قريش لا ترده قريش ومن فر من قريش إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يرده الرسول صلى الله عليه وسلم. ومع أن الظاهر في بعض بنود هذه المعاهدة الظلم من قريش إلّا أنها أتاحت الفرصة لإنتشار الإسلام واعتراف قريش بالمسلمين كقوة فدخل عدد كبير الإسلام بعد هذه الهدنة، وأسلم بعض أبطال قريش كعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة رضي الله عنهم
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عدة رسائل إلى رؤساء البلاد داخل الجزيرة العربية وخارجها يدعوهم فيها إلى الإسلام، وذلك بعد صلح الحديبية الذي أبرم في العام السادس الهجري. وممن أرسل إليهم: النجاشي الحبشي، وكسرى الفارسي، وهِرَقل (قيصر) الروم، والمقوقس القبطي المصري، والحارث بن أبي شمر الغساني، وهوذة بن علي الحنفي اليمامي، والمنذر بن ساوي العبدي البحريني، ثم ابنا الجلندي العمانيان. أسلم بالرسالة بعض الناس، كالمنذر البحريني وكذلك النجاشي، لكن النجاشي مات وهو في طريقه لمقابلة الرسول صلى الله عليه وسلم، فأمر صلى الله عليه وسلم بصلاة الجنازة على النجاشي. بينما المقوقس أعجب بالكلام لكنه لم يُسلم، وكذلك هِرقل، ولكن منصبه وثرواته جعلته أن لا يترك ديانته، فبقي على دينه. أما كسرى فقد مزق الرسالة عندما قرأ "من محمد رسول الله إلى عظيم كسرى"، حيث أنه غضب عند رؤية اسم سيدنا محمد صلى الله عليه وسل قبل اسمه، فلم يقرأ الرسالة
وفي الثامن للهجري نقضت قريش العهد التي كان بينها وبين المسلمين، فذهب أبو سفيان ليسترضي الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن دون فائدة، وتجهز الرسول صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف مقاتل من الصحابة لغزو مكة دون أن تعلم قريش بذلك. وفي هذه الأثناء أسلم أبو سفيان رضي الله عنه. ولما قرب الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة كان أبو سفيان قد رجع ليخبر القوم. ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة منتصرين فاتحين واتجه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة خلفه ناحية المسجد الحرام فاستلم الرسول صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود، وطاف بالبيت وهدم الأصنام التى كانت حول الكعبة ثم نادى عثمان بن طلحة وأخذ منه مفتاح الكعبة فدخلها فوجد فيها صورًا فمحاها. وخطب الرسول صلى الله عليه وسلم في قريش ثم قال لهم: "ما ترون أنى فاعل بكم"، قالوا: خيرًا أخ كريم وابن أخ كريم فقال: "فإنى أقول لكم كما قال يوسف لإخوته (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ)، اذهبوا فأنتم الطلقاء". ثم رد المفتاح إلى عثمان بن طلحة، وكان قد حان وقت الصلاة فأمر بلال بن رباح رضي الله عنه أن يصعد الكعبة فصعدها وأذّن. وأهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دم بعض من أكابر المجرمين الذين عذبوا المسلمين وآذوهم فقتل بعضهم وأسلم بعضهم. ثم أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم البيعة ممن أسلم من الرجال ثم أخذ البيعة من النساء وأقام الرسول تسعة عشر يومًا في مكة يجدد معالم الإسلام فيها، وبعث نفرًا من أصحابه لهدم الأصنام التى كان منتشرة في مكة المكرمة. وقد كان فتح مكة في العام الثامن من الهجرة وكان فتح مكة مرحلة فاصلة في تاريخ الإسلام، فقد كان لقريش مكانة عظيمة بين القبائل العربية فلما رأت القبائل قريشاً دخلت الإسلام أسرعت القبائل تدخل في دين الله أفواجًا. وأصبحت الكعبة المشرفة القِبلة الجديدة للمسلمين أثناء الصلاة حيث أن المسجد الأقصى كان القِبلة التي كان يوجهون المسلمون وجوههم للصلاة، كما قال عز وجل في كتابه العزيز: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} البقرة: 144
عندما توطدت أركان الإسلام، في العام التاسع الهجري على وجه الخصوص، قدمت وفود العرب إلى المدينة لتعلن إسلامها، ومن أشهر هذه الوفود: بنو تميم، وعبد القيس، وبنو حنيفة ونجران، وطيء، والأشعريون، وبنو عامر، وجذام، وبنو سعد، وكندة، وزبيد، وثقيف، وبنو أسد، وهمدان، وبنو سليم، وتجيب، وغامد، ومذحج
بعد أن منَّ الله عز وجل على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بتأسيس دولة الإسلام ودخول كثير من الناس الإسلام وانتشار الدعوة في أرجاء الجزيرة العربية حج الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وبين فيها كثيراً من الأحكام الشرعية و في الخامس من شهر ذي القعدة من السنة العاشرة للهجرة أعلن الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن عزمه زيارة بيت الله الحرام حاجاً فخرج معه حوالي مئة ألف من المسلمين من الرجال والنساء وقد استعمل على المدينة أبا دجانة الساعدي الأنصاري وأحرم للحج، ثم لبّى قائلاً: "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمدَ والنعمةَ لك والملك لاشريك لك". وبقي ملبياً حتى دخل مكة المكرمة وطاف بعدها بالبيت سبعة أشواط واستلم الحجر الأسود وصلّى ركعتين عند مقام سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وشرب من ماء زمزم ثم سعى بين الصفا والمروة. وفي اليوم الثامن من ذي الحجة توجه إلى مِنى فبات فيها. وفي اليوم التاسع توجه إلى عرفة فصلى فيها الظهر والعصر جمع تقديم في وقت الظهر ثم خطب خطبته الشريفة التي سميت فيما بعد خُطبة الوداع
توفي صلى الله عليه وسلم عن ثلاث وستين سنة، في ضحى يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، بعد مرض دام ثلاثة عشر يوما،ً ودفن ليلة الأربعاء، في الموضع الذي توفي فيه داخل حجرة عائشة رضي الله عنها بالمدينة المنورة. وقبل وفاته طلب من ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها بأن تقترب منه، فقال لها شيء في أذنها فبكت، ثم قال شيء آخر في أذنها فضحكت. وعندما سألتها عائشة رضي الله عنها عن ما قاله قالت فاطمة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم في المرة الأولى قال لها بأن الله عز وجل سيتوفاه، فبكت، وفي المرة الثانية قال لها بأنها ستلحق به فضحكت، وهذا ما حدث، فقد توفيت فاطمة الزهراء رضي الله عنها بعده بستة أشهر. وصلى عليه المسلمون أرسالاً (جماعة بعد جماعة) ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد
يقول الله عز وجل في كتابه العزيز: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} الأحزاب: 56
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميدٌ مجيدٌ
خص الله عز وجل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بمعجزات كثيرة، من أعظمها القرآن الكريم الذي تحدى به الله عز وجل العرب. ومنها أنّ المشركين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر، وكذلك معجزة الإسراء والمعراج. ومن المعجزات أيضاً مس الشاه التي لم تحلب فأصبحت تحلب، ومنها حنين الجذع إليه حين ترك الاستناد إليه وأخذ يخطب على المنبر. ومنها أن الماء نبع من بين أصابعه غير مرة، ومنها أن الحصى سبّحت في كفه، ومنها أن كَلَّمَتْه ذراع الشاة المسمومة، ومنها أنه ردّ عين قتادة بن النعمان عندما انخلعت يوم أحد، وتفل في عيني علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم خيبر فبرئ من الرمد. ومنها أن كسرت رجل عبدالله بن عتيك فمسحها فبرئت رجله من حينها. وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يقتل أبيّ بن خلف يوم أحد، فخدشه خدشًا يسيرًا فمات بسببه. وكَثَّرَ طعام جابر فشبع منه جيش الخندق وهم ألف. وأطعم كل أهل الخندق من تمر يسير. وغير ذلك كثير
من أبرز شمائل النبي صلى الله عليه وسلم: التقشف في الطعام والفراش والمسكن والمركب. كان لا يصيب طعامًا، ويأكل مما يجده. كان يقبل الهدية، ولا يأكل من الصدقة. كان أشجع الناس وأحلمهم وأسخاهم وأشدهم حياء وتواضعًا، حتى إنه كان يخصف نعله، ويحيك ثيابه، ويلبس الصوف، ويخدم أهله، ويعود المرضى، ويتألَّفُ أهل الشرف، ولا يغضب الله عز وجل بشيء، ويرحم الضعفاء سواءً مسلمين أم غير مسلمين حتى الأعداء منهم
ذكر الله عز وجل اسم محمد صلى الله عليه وسلم أربع مرات في القرآن الكريم (دون اسم سورة محمد)، ولم يخاطبه باسمه كما كان الأمر عند بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثل سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام وسيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام. بينما في أغلب مواضع القرآن الكريم كان الله عز وجل يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يذكر اسمه، مثل "قُل" و "يا أيُها النبي" وغيرها
:مواضيع أخرى
رقية - بنت الرسول صلى الله عليه وسلم
القرآن الكريم - معلومات وحقائق
زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم
عيسى عليه الصلاة والسلام
رقية - بنت الرسول صلى الله عليه وسلم
القرآن الكريم - معلومات وحقائق
زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم
عيسى عليه الصلاة والسلام