قصص القرآن الكريم - مريم عليها السلام
تم التحديث في ربيع الأول 1442 / تشرين الثاني 2020
أطهر النساء على وجه الأرض الفاتنة البتول. ذكر الله عز وجل اسمها في القرآن الكريم وسمّى سورة باسمها. اسمها مريم بنت عِمران بن ماثان (وليس بعِمران أبي سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام إذ بينهما مئات السنين)، أم نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام. وأمها حنة بنت فاقوذ. وكان بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل وأحبارهم وملوكهم. لا يُعرف تاريخ ولادتها أو وفاتها
كان سيدنا زكريا عليه الصلاة والسلام وعِمران متزوجان بأختين. الأولى إيشاع زوجة بنت فاقوذ، زوجة سيدنا زكريا عليه الصلاة والسلام وأم سيدنا يحيى عليه الصلاة والسلام. والثانية حنة بنت فاقوذ أم سيدتنا مريم عليها السلام. دعت حنة الله عز وجل أن يرزقها بابن لها بعد أن كبرت في السن، ونذرت لله عز وجل أن تجعل ما في بطنها يقوم في خدمة بيت الله سبحانه وتعالى. فتقبّل الله سبحانه وتعالى دعاءها، وحملت بسيدتنا مريم عليها السلام {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} آل عِمران: 35 مات عِمران وحنة حاملة بسيدتنا مريم عليها السلام. وكانت تعلم أن الأنثى ليست كالذكر في شؤون خدمة بيت الله عز وجل، فقالت: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} آل عِمران: 36 كان سيدنا زكريا عليه الصلاة والسلام من الذين أرادوا تكفّل سيدتنا مريم عليها السلام، لأنه خالها وهو أحق بها منهم. فأجروا قرعة كي يروا من سيتكفّل برعايتها. فذهب التسعة عشر رجلاً إلى نهر جارٍ وألقوا أقلامهم، أي سهامهم، فارتفع سهم سيدنا زكريا عليه الصلاة والسلام وانحدرت أقلامهم، وكانت الرعاية من نصيبه عليه الصلاة والسلام نشأت سيدتنا مريم عليها السلام نشأة حسنة. كانت تتعبد في المحراب وكان الله عز وجل يرزقها بأنواع فواكه عدّة. فكان عندها فاكهة الصيف في الوقت الذي كان الشتاء يحل على المنطقة، وفاكهة الشتاء في أثناء وقت الصيف. فلما رأى سيدنا زكريا عليه الصلاة والسلام ذلك سألها من أين لها هذا، فقالت له أنه من عند الله تبارك وتعالى {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} آل عِمران: 37 كان من الذين يخدمون بيت الله عز وجل شخص اسمه يوسُف النجار، وكان رجلاً صالحاً، كان هو وسيدتنا مريم عليها السلام يليان خدمة المعبد، وكانت سيدتنا مريم عليها السلام إذا نفد ماؤها وماء يوسُف أخذ كل واحد منهما قُلته، وانطلق إلى المغارة التي فيها الماء، فيستقيان منه، ثم يرجعان إلى المعبد. ثم كبرت سيدتنا مريم عليها السلام وبلغت، وفي يوم من الأيام انطلقت سيدتنا مريم عليها السلام للاستقاء وحدها حتى دخلت المغارة، فوجدت عندها جبريل عليه السلام، قد مثله الله عز وجل إليها رجلاً كامل الرجولة. فاستعاذت بالله عز وجل. فقال لها ألّا تخف وأنه مرسل من عند الله عز وجل، فاطمأنت، وقال لها بأنها ستلد ولداً وهو المسيح عيسى عليه الصلاة والسلام، وسيكون له شأن كبير وسيعلّمه الله عز وجل التوراة والإنجيل. فسألته كيف هذا ولم يمسسها أحد، فقال لها كذلك أمر الله عز وجل، إن قال لشيء كن فيكون {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ} آل عِمران: 45-48 وقد ذكر ابن كثير أن غير واحد من علماء السلف ذكروا أن المَلَك جبريل عليه السلام نفخ في جيب درع سيدتنا مريم عليها السلام، فنزلت النفخة حتى ولجت في الفرج، فحملت بالولد بإذن الله سبحانه وتعالى. فلما حملت ضاقت ذرعاً به، ولم تدر ماذا تقول للناس، فإنها تعلم أن الناس لا يصدقونها فيما تخبرهم به، غير أنها أفشت سرها، وذكرت أمرها لأختها امرأة سيدنا زكريا عليه الصلاة والسلام. وذلك أن سيدنا زكريا عليه الصلاة والسلام، كان قد سأل الله عز وجل الولد، فأجيب إلى ذلك، فحملت امرأته، فدخلت عليها سيدتنا مريم عليها السلام، فقامت إليها فاعتنقتها أيضاً من الناس الذين سألوا سيدتنا مريم عليها السلام عن حملها هو يوسُف النجار، وكما ذكر ابن كثير عن حواره معها، فقال: يا مريم! إني سائلك عن أمر، فلا تعجلي علي، قالت: وما هو؟ قال: هل يكون قط شجر من غير حَبٍّ؟ وهل يكون زرع من غير بذر؟ وهل يكون ولد من غير أب؟ فقالت: نعم -فهمت ما أشار إليه- أما قولك: هل يكون شجر من غير حب وزرع من غير بذر؟ فإن الله قد خلق الشجر والزرع أول ما خلقهما من غير حب، ولا بذر. وأما قولك: وهل خَلْقٌ يكون من غير أب؟ فإن الله قد خلق آدم من غير أب ولا أم. فصدّقها، وسلم لها حالها كان حمل سيدتنا مريم عليها السلام مختلف عن حمل النساء، فكان خفيفاً. وعندما اشتد بها المخاض التجأت إلى النخلة، وكانت تلك النخلة في موضع يُقال له بيت لحم، فتمنت الموت لأنها كانت قلقة بما سيقوله الناس عن ولدها عليه الصلاة والسلام، وكيف فعلت ذلك وأبويها من الصالحين، فقال لها سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام بأن تقول لهم أنها صائمة عن الكلام، وأنه سينطق لهم بكلمة الحق وهو في المهد {فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} مريم: 22-25 فعادت سيدتنا مريم عليها السلام ومعها ابنها عيسى عليه الصلاة والسلام وهي واثقة من نفسها. فلما رأوها بدؤوا بالأسئلة، ولكنها لم تقل أي كلمة، وأشارت إلى ابنها عليه الصلاة والسلام. فسألوا كيف نسأل ولد وهو في المهد، ولكن هذا ما حدث، ونطق سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام بالحق، وهذه إحدى معجزاته سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} مريم: 27-30 من فضائل سيدتنا مريم عليها السلام أنه رُوي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حسبك من نساء العالمين أربع: مريم ابنة عِمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد". رواه الترمذي وابن حبان بإسناد صحيح. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يُولد فيستهل صارخًا من مسّ الشيطان، غير مريم وابنها". ثم قال أبو هريرة رضي الله عنه: "اقرؤوا إن شئتم: {وَِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}" آل عِمران: 36. رواه مُسلم قد يسأل البعض، كيف تحمل سيدتنا مريم عليها السلام دون أن يمسسها أحد. المؤمن سيصدق القصة، بينما الكافر سيبدأ بالشكوك بل ربما بتكذيب هذه القصة. إذا لاحظنا أن الله عز وجل قد ذكر في أكثر من موضع في القرآن الكريم مراحل تكوين الجنين بطريقة مفصلة جداً، وذكر أيضاً أن الجنين لا يبدأ بالتكوين إلّا بوجود أم وأب في البداية. ولم يتعرف العِلم الحديث على هذه المراحل إلّا قبل قرن أو نحوه من يومنا هذا. وكل ما توّصَل إليه العِلم من مراحل تكوين الجنين موافقٌ تماماً لما قاله الله عز وجل في القرآن الكريم الذي أنزله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قبل حوالي 1400 سنة من اليوم. ويبيّن الله عز وجل لنا أنه كما أظهر لنا كيفية نمو الجنين في رحم المرأة وأن أساس التكوين ينتج من الأب والأم، فالله عز وجل أيضاً بيّن لنا أنه قادر على جعل امرأة صالحة تحمل بابن لها دون أن يمسسها أحد، وهذا ما يُدعى بالمعجزة، فحمل سيدتنا مريم عليها السلام ليس بحدث يحدث كل يوم مع أي شخص، بل هو معجزة لتكون عبرة للناس. وكذلك عندما خلق الله سبحانه وتعالى سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام، فقد خلقه من طين دون أن يكون له أم وأب |
:المواضيع المنوعة
:أقسام الموقع
|