سورة التوبة
تم التحديث في جُمادى الأولى 1442 / كانون الأول 2020
السورة رقم 9 في ترتيب القرآن الكريم. مدنيّة إلّا الآيتيْن الأخيرتيْن فمكّيّتان. عدد آياتها 129 ونزلت بعد سورة المائدة. وهي السورة الوحيدة التي لم يبدأها الله عز وجل بالبسملة
هذه السورة الكريمة من أواخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى البُخاري عن البراء بن عازب أن آخر سورة نزلت سورة براءة ولم تُكتب فيها البسملة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر بذلك كما يؤخذ من حديث رواه الحاكم وأخرج في معناه عن علي رضي الله عنه أن البسملة أمان وهي نزلت لرفع الأمن بالسيف. وعن حذيفة ابن اليمان قال: "إنكم تسمّونها سورة التوبة وهي سورة العذاب". وروى البُخاري عن البراء أنها آخر سورة نزلت وبدأت السورة الكريمة بكلمة براءة أي أن هذا تبرؤ من الله عز وجل ورسولِه صلى الله عليه وسلم إلى المشركين، والإعلان بالتخلّي عن العهود التي كانت بين المسلمين والمشركين، حيث أن المشركين نقضوا تلك العهود وتآمروا مع اليهود على حرب المسلمين، فخانت اليهود من بني النضير وبني قريظة بين قينقاع العهود مع الرسول صلى الله عليه وسلم، علماً بأن كان هناك عهود بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل الكتاب أيضاً {بَرَاءَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ} التوبة: 1. وأول هذه السورة الكريمة نُزِل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك وهم بالحج، ثم ذكر أن المشركين يحضرون عامهم هذا الموسم على عادتهم في ذلك وأنهم يطوفون بالبيت عراة، فكره مخالطتهم وبعث أبا بكر الصِدّيق رضي الله عنه أميراً على الحج تلك السنة ليقيم للناس مناسكهم ويعلم المشركين أن لا يحجوا بعد عامهم هذا وأن ينادي في الناس "براءة من الله ورسوله". فلما قفل أتبعه بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ليكون مبلّغاً عن رسوله صلى الله عليه وسلم لكونه عصبة له {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} التوبة: 28. وذكرت السورة الكريمة أيضاً الأمر بقتالهم {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} التوبة: 29 ثم وضّحت السورة الكريمة نفسيّات المسلمين، وتحدثت عن المتثاقلين منهم والمتخلّفين عن الحرب حين دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم لغزو الروم في غزوة تبوك، وكشفت السورة الغطاء عن فتن المنافقين، باعتبارهم خطرًا داهمًا على الإسلام والمسلمين، وفضحت أساليب نفاقهم، وألوان فتنتهم وتخذيلهم للمؤمنين. حتى لم تدع لهم سترًا إلّا هتكته، ولا دخيلة إلّا كشفتها، وتركتهم بعد هذا الكشف والإيضاح تكاد تلمسهم أيدي المؤمنين. وقد استغرق الحديث عنهم معظم السورة من الآية 42 حتى الآية 110، ولهذا سمّاها بعض الصحابة باسم الفاضحة وذكر الله عز وجل غزوتيْن في سورة التوبة: غزوة حُنَيْن وغزوة تبوك. يقول الله عز وجل: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} التوبة 25-26. فالآية الكريمة رقم 26 جاءت في معرض المنِّ على المؤمنين بنصر الله عز وجل لهم لمّا فرّوا من القتال يوم حُنَيْن، حيث كانوا 12 ألفاً والكفار 4 آلاف، وظنّ المسلمون أنهم لن ينهزموا. ولكن بفضل الله سبحانه وتعالى ورحمته، أرسل مع المسلمين جنوداً لم يروهم، المقصود بذلك الملائكة عليهم السلام. فرجعوا المسلمين إلى القتال في وجه عدوهم وغلبوهم بفضل الله عز وجل أمّا غزوة تبوك التي كانت في عام 8 هجري فإن اسمها لم يُذكر، ولكن الآية الكريمة توضّح لنا هذا. فالآية الكريمة رقم 40 وردت تقريعاً للمتقاعسين عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في خروجه إلى غزوة تبوك، فذكرهم القرآن الكريم بأن الله سبحانه وتعالى الذي نصر عبده صلى الله عليه وسلم أيده وأنزل سكينته عليه يوم أن أخرجه من مكّة المكرّمة، قادر على أن ينصره في كل وقت وحين. ويجب على القارئ قراءة الآية كاملة كي يفهم المعنى بوضوح، فقال الله عز وجل: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} التوبة: 40. وأيضاً في هذه الآية الكريمة ذكر الله عز وجل الصحابي أبو بكر الصِدّيق رضي الله عنه (ثاني اثنين) عندما صحب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى غار ثور عند خروجهما من مكّة المكرّمة ومن الذين لم يشهدوا معركة تبوك ثلاثة رجال من الصحابة الأنصار رضي الله عنهم وهم كعب بن مالك شاعر وصاحب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهلال بن أميّة ومرارة بن الربيع. وبعد عودة المسلمين من المعركة سألهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن عدم قدومهم فلم يكذبوا عليه واعترفوا بعدم وجود أي عذر لهم، بعكس ما فعل بعض المنافقين بإحضار عذر للرسول صلى الله عليه وسلم. وحزن الثلاثة حزناً شديداً وندموا على ما فعلوه حتى ضاقت الأرض عليهم بسعتها وضاقت عليهم أنفسهم لما أصابهم من الهم، وعرفوا أن لا ملجأ من الله عز وجل إلّا إليه، فتاب عنهم الله عز وجل، ونُزِلت هذه الآية الكريمة بهم {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} التوبة: 118 وفي الآية الأخيرة من سورة التوبة ورد في شأنها حديث موضوع: أخرج أبو داود في سننه من حديث أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال إذا أصبح وإذا أمسى حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، كفاه الله ما أهمه، صادقاً كان بها أو كاذباً". ذكره الشيخ الألباني وغيره في الأحاديث الموضوعة {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} التوبة: 129 |
:المواضيع المنوعة
:أقسام الموقع
|